مع إستمرار حرب روسيا مع حلف الناتو علي الأرض الأوكرانية تتعقد الدوائر وتختلط الاهداف وتتنوع زوايا الحدث بأطرافه وصناعه ..في هذا الاتون الساخن من الاحداث تأتي (الصين ) كرقم صعب في المعادلة الحربية الدائرة رحاها ..ومنذ بداية هذة الحرب أكدنا أن أحد مستهدفاتها الغربية والامريكية هي الصين تلويحا وتهديدا ..وليس روسيا فقط وقلنا في دراسة سابقة أن الحرب واقعا مع روسيا ولكن العين (أو الهدف )هو علي الصين فماذا جري ولايزال يجري حول الصين ومعها في هذة الحرب ؟ أولا:تحت عنوان مثير له دلالات ذات معني كتب قبل أيام رئيس مجلس خبراء اللجنة الروسية الصينية للصداقة والسلام والتنمية، يوري تافروفسكي، تحليلا مطولا يحمل عنوان ( الصين بحاجة الي إنتصار روسيا )حول عملية مالية خاصة تجري بالتزامن مع العملية العسكرية الروسية.
وجاء في المقال: خلال خطاب ألقاه في بولندا، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن عدة رسائل سياسية مهمة أعدها خبراء استراتيجيون في البيت الأبيض. إحداها، في رأيي، وهي الأهم، أن الغرب بحاجة إلى الاستعداد “للصراع الطويل القادم بين الديمقراطيات والشموليات”. معنى الموقف، أولاً، أن الحرب الباردة لن تنتهي بانتهاء العملية الروسية في أوكرانيا؛ وثانيا، أن خصم الغرب في المواجهة العالمية ليس روسيا وحدها، إنما الصين، لأنها تتصدر قائمة الدول الاستبدادية.
الآن، لا تتعاطف الصين مع روسيا فحسب، إنما تدرس أيضا مسار العملية العسكرية بعناية. فأحد الدروس المهمة بالنسبة للصين هو تجميد احتياطيات النقد الأجنبي الروسي في الولايات المتحدة والتي تقارب 300 مليار دولار.
كتب مؤسس شركة Alpin Macro في هونغ كونغ، وكبير استراتيجييها، تشين تشاو، في صحيفة South China Morning Post: “لقد زعزعت العقوبات المالية ضد روسيا المفاهيم والمبادئ الأساسية بعمق. فقد أظهرت هذه الإجراءات أن أصول خصوم الغرب المالية لم تعد آمنة، ويمكن مصادرتها أو تحويلها إلى أسلحة دمار مالي”.
ويرى تشاو أن السحب الجزئي للدولار من الولايات المتحدة إلى الذهب والعملات الأخرى، كالذي قامت به روسيا مسبقا، لا يحل المشكلة بالنسبة للصين. فقيمة كل الذهب في العالم المتاح للمعاملات المالية تبلغ فقط 4.6 تريليون دولار.
المَخرج وفقا للخبراء الاستراتيجن الدوليين في هذا المجال من الوضع الخطير يتجلى في السحب التدريجي للأصول من أمريكا، وزيادة الاستثمارات في البلدان الأخرى، والتخلي عن الدولار في مزيد من العمليات التجارية. ومع ذلك، يشكل اليوان اليوم 3٪ فقط من الاحتياطيات العالمية. فقط العمل المنسق مع روسيا والهند والبرازيل وفنزويلا والمملكة العربية السعودية وإيران والضحايا المحتملين الآخرين لسياسات المصادرة الغربية يمكن أن يكون حلاً لمشكلة الأمن المالي.
وبالنسبة للمسئولين الصينيين ليس من المستغرب أن يُنظر إلى قرار روسيا بقبول الدفع مقابل مواردها من الطاقة بالروبل بوصفه “جبهة ثانية” في مواجهة الهيمنة الأمريكية، و”عملية مالية خاصة” على نطاق عالمي. والصينيون يوافقون علي ذلك ويتمنون إنتصار روسيا في هذة الجبهة لانها ستؤمن مصالحهم لامآد بعيدة هكذا تقول القراءة الصينية.
ثانيا : وفي موازة هذة الرؤية الصينية لاهمية إنتصار روسيا في الحرب لحماية مصالحها الاقتصادية العالمية من التوحش الامريكي ضدها والذي تستشعره القيادة الصينية وتتخوفه ؛ جاء وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف،ليعلن يوم 11/4/2022 أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تهدف لوضع نهاية لمسار الولايات المتحدة للهيمنة على العالم مؤكدا ومؤيدا الصين في مخاوفها وأهدافها ..وقال لافروف عبر قناة روسيا24: “عمليتنا العسكرية الخاصة تهدف لوضع نهاية للتوسيع والنهج المتهور لهيمنة الولايات المتحدة الكاملة على العالم والدول الغربية التابعة لها في المحافل الدولية”
وأكد وزير الخارجية الروسي أن بلاده ومعها الصين لن تخضع للغرب أبدا.
وأضاف لافروف: “روسيا، بما تملك من تاريخ وعادات، تعد واحدة من تلك الدول التي لن تحتل موقع التبعية. يمكننا فقط أن نكون أحد أعضاء المجتمع الدولي بشروط متساوية من الأمن غير القابل للتجزئة”.في هذا المعني الذي أكد عليها وزير الخارجية الروسي ..تلتقي الدولتان العظمييان روسيا والصين وتتحالفان ضد واشنطن كل بأدواته الناعمة والخشنة
ثالثا : الصين في حاجة الي إنتصار روسيا لان لها مصالح نفطية ومصالح غاز فهي من أهم مستوردي النفط والغاز الروسي وإنتصار روسيا يفيد الصين ويؤمن حاجتها من النفط والغاز ووفقا للدرسات المحايدة ومنها دراسة مهمة للباحثة د. فردوس عبدالباقي بوحدة الدراسات الأسيوية بالمركز المصري للفكر والدرسات الاستراتيجية الذي يرأسه المفكر الاستراتيجي والامني المتميز د. خالد عكاشة
وحملت عنوان :تعظيم المكاسب: الموقف الصيني من الحرب الروسية الأوكرانية
وجاء فيها أن روسيا ثالث أكبر مورّد للصين من النفط المنقول بحرًا، ووصلت وارداتها في يناير 2022 إلى 811 ألف برميل يوميًا. ومن حيث الإجمالي، تعد روسيا ثاني أكبر مورد نفطي للصين، إذ استوردت الصين أكثر من 15% من صادرات الخام الروسية، وتم نقل 40% من هذه الواردات عبر خط أنابيب “إسبو”. وبالنسبة للغاز، تعد روسيا ثالث أكبر مورد للغاز إلى الصين، إذ صدّرت 16.5 مليار متر مكعب من الغاز للصين في عام 2021، بما يعادل حوالي 5% من الطلب الصيني. وتعد روسيا ثاني أكبر مورد للفحم للصين.
وجاء في الدراسة أيضا أنه في أواخر فبراير عام 2022 بعد توقيع كل من شركة “غازبروفود سويوز فوستوك” لأنابيب الغاز الخاصة و”غازبروم برويكتيروفاني”، اتفاقية لتنفيذ أعمال التصميم والمسح كجزء من بناء خط أنابيب الغاز “سويوز فوستوك”، الذي سيمتد من روسيا عبر منغوليا إلى الصين، بما سيسمح بإمداد ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًا للصين، ويأتي كجزء من خط أنابيب الغاز الروسي “باور أوف سيبريا 2″، ومن المتوقع استكمال تصميم خط الأنابيب في 2022 – 2023، لتبدأ أعمال بناء المشروع في 2024، ليتم تشغيل خط الأنابيب في 2027-2028. هذا التعاون والاحتياج الاقتصادي الصيني لروسيا ومعها يترتب عليه إستراتيجيا رغبة وحاجة الصين للانتصار الروسي في هذة الحرب التي تري الصين أنها بالاساس ليست بين أوكرانيا وروسيا بل بين روسيا ومعها الصين ضد أمريكا وحلف الناتو ..وإذا أضفنا الي المخاوف والاهداف الصينية الاقتصادية مخاوف آخري تتصل بقضية (تايون ) ورغبة الصين التناريخية في ضمها ويقينها السري التاريخي أنها جزء لايتجزأ من القومية والجغرافيا الصينية وإنتصار روسيا سدعم هكذا مطالب وهو ما تعترض عليها كلية واشنطن وتراه تهديدا إستراتيجيا لمصالحهم في هذا الجزء الحيوي من العالم ..إذا علمنا ذلك ..فإ ن إنتصار روسيا يعد حاجة صينية مهمة للغاية ويضاف الي ذلك الخوف الصيني من أنه لو هزمت روسيا في هذة المنازلة الدامية ..سوف تستدير أمريكا وحلف الناتو ليفتح مع الصين جبهة الانفصاليين في أقاليم التبت والإيجور بكل تفاصيلها ومخاطرها علي الامن القومي الصيني . خلاصة القول هنا أن خروج روسيا منتصرة بقوة (أو علي الاقل غير مهزومة بالمعني العسكري والاستراتيجي ) يمثل حاجة ورغبة صينية إستراتيجية رغم لغة الحباد والوقوف في المنتصف وبين أوكرانيا وروسيا التي سادت في الشهور الاولي للحرب ..فالاقتصاد والنفط والغاز وتايون وأقاليم الانفصال المتوقعة في التبت والايجور ..
كل هذة الملفات ترجح الاجابة القاطعة علي سؤال اللحظة : هل الصين في حاجة الي إنتصار روسيا ؟ الاجابة ألمؤكدة من الواقع والمصلحة العليا للصين : نعم هي في حاجة الي هكذا إنتصار ….. والله أعلم.